العـبـد لا يحسن الـكـرّ فكن حر

ماذا جرى؟ ولماذا لم يظهر بين العرب رجل رشيد “يرى ما لا يراه الناظرونا؟”

لماذا استمرأ الناس على مختلف أصولهم ومواقعهم الذل والتبعية مثل بعض العبيد في الجنوب الأمريكي الذين آثروا أن يظلوا عبيدا بدل المغامرة باختيار الحرية عندما أصبحت الحرية قانونا؟ هل لأن الحرية مسؤولية جسيمة ينأى بحملها أولو العزم ، فما بالك من قوم عاشوا أربعة قرون من الإستبداد فقتل فيهم روح المقاومة والكبرياء الأنسانية؟

أم أنه الجهل حتى استخفت بهم الأمم “واستحمروهم” فاستولوا على ما بين أيديهم كما يخطف الولد الشقي قطعة الحلوى من بين أصابع الولد “المسكين! أو “ألأهبل؟”

أم أنه التكالب على الدنيا وملذاتها وما تأتي به من مناصب وسلطة؟ ولماذا توجّب أن تكون هذه برسم الذل والتضحية بالوطن كله في حين أنها متوفرة أيضا برسم العزة والكرامة والصمود وقول “لا؟”

“يا رب هبّت شعوب من منيّتها   واستيقظت أمم من رقدة العدم….” فلماذا نحن؟

كوبا الجزيرة الصغيرة التي كانت ماخورا ومستنقعا للقمار والرذيلة تحولت الى بلد متقدم علميا وسياسيا وعسكريا وحتى رياضيا حيث يعود فريقه بعد كل أولمبياد بحفنة ميداليات و”خير أمة أخرجت للناس….” تفتخر وتحتفل بانتصار فريق لشبونة أو رويال مدريد!

إذا كانت هذه الأمة وهي في أوج ثرائها (حوالي بليونين دولار كل يوم من النفط فقط) لا تزال تتآكل من أطرافها وتتفسخ من أعماقها وتستورد طعامها وملبسها وأخصب أراضيها بوار ، متى إذن ستكون قادرة على أن تأخذ موقعها بين الأمم لتكون جديرة بالإحترام من أعداءها وبالوفاء  والحب من مواطنيها؟

أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
أمتي كم غصة دامية *** خنقت نجوى علاك في فمي
اسمعي نوح الحزانى واطربي *** وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها *** تتفانى في خسيس المغنم
أمتي كم صنم مجدته *** لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما *** كان في الحكم عبيد الدرهم  (عمر أبو ريشة)

كيف السبيل إلى الخلاص والخروج من قاع هذه البئر؟  أين نبدأ؟ كيف؟ ومن؟ وأين؟

لو قلنا “الأسلام هو الحل” سيخرج علينا من يقول أي إسلام تعني؟ سني أو شيعي؟ شافعي أو حنبلي؟ عربي أم تركي أم ماليزي؟ وكأن الإختلاف يعقـّد الإختيار بدلا من تسهيله ، لو قلنا “الشيوعية والإشتراكية هي الحل” لخرج من يغرّد “صحّي النّوم! ألم تسمع بانهيار الإتحاد السوفياتي سنام الشيوعية؟ لو قلنا “بلاد العرب أوطاني” فدعونا نتوحّد على هذه القاعدة لقيل أن هذه “دعوة الجاهلية!” ولكني سأسهّل عليكم الأمر وأقطع دابر التحايل والتهرب من عمل شيء ما فأقول:

دع كل منا يختار ربّه الذي يريده ويرتاح اليه بوذيا كان أو شيعيا، نصرانيا، سنيا، هنديا، شيوعيا حتى أمريكيا لأنه لا يوجد رب يرضى لعباده أن يكونوا أذلاّء ولا فاسدين أو مفسدين ، ولا كسالى ولا ظالمين ولا جهلة ولا مستكبرين، ولا قساة ولا متشاحنين! فليس لزاما علينا أن نسمع القول فنتبع أسوأه ، ولا أن نتنكّر لكل ما هو جميل ونعشق كل رذيل. نركب التويوتا وننأى بأنفسنا عن أخلاقيات العمل التي أبدعت التويوتا ، نلعن أمريكا ونستهلك دجاج الكنتاكي بالطن وكأن فيه “شفاء للناس.” وكم زائر عربي لواشنطن أجهد نفسه وقرأ تحت تمثال توماس جفرسون قوله “لقد أقسمت أمام الله أن أعادي إلى الأبد كل شكل من أشكال الإستبداد والتسلط على عقل الأنسان!” أو خطبة باتريك هنري التي ختمها بصيحته ضد المستعمر البريطاني:“هل اصبحت الحياة عزيزة علينا الى هذا الحد؟ وهل السلام أصبح بهذه الحلاوة حتى نستجديه على حساب كرامتنا وأن ندفع ثمنه بقيودنا وعبوديتنا؟ إني أيها السادة الكرام لا أدري ما أنتم فاعلون ولكن بالنسبة لي: أعطني الحرية أوأعطني الموت!”

لا يمكن أن يكون هناك سبب أو علة واحدة وراء كل هذا الدمار والتأخر الذي تعاني منه الأمة، حتى الذين يموتون بالسرطان عادة ما يكون سبب وفاتهم فشل آخر في عضو آخر. إن تراكمات عظيمة حدثت والخراب والفساد تغلغلا في كل نواحي الحياة السياسية والإقتصادية ولإجتماعية والأخلاقية.  وإني أدّعي بأن كل ما تعانيه الأمة في مشرقها ومغربها من مآسي وتبعية وفقر وجهل ومذلة إنما هو نتيجة ما يسود المجتمعات العربية من أفكار وقيم وعادات. فما نراه من ممارسات سياسية أو اقتصادية هي الحلقات الأخيرة للسلوك الإنساني الذي يبدأ في القلب والوجدان أو في النفس – التعبير الجامع الشامل -وبعدها يمر من خلال العقل للجوارح ليتم التعبير عنه في ميادين الحياة السياسية والعسكرية والإجتماعية….

فكل إنسان هو ناتج أفكاره وما يستحوذ عليه قلبا وقالبا من أفكار.

“ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (أنفال 53)….و “ إن الله لا يغيــّر ما بقوم حتى يغـيـّرواما بأنفسهم” (الرعد 11)

العجيب أن هذه أوامر الهيـّه لا ينكرها مسلم ولم يشكك في صحتها عالم مؤمن أو ملحد، ولكن قلّ من يمتثل بها أحد أو يحاول تطبيقها أو غيرها من آيات الحكمة، ولكننا  في نفس الوقت على استعداد للتضحية بملايين الناس والموارد للمحافظة على حدود مصطنعة فرضت علينا والإمتثال بألف “لبـّيك” إن دعانا سفير ولا نقول رئيس من الدول أولي البأس!

فإذا كانت نخوة الدين “ظلامية ومتطرفة” في نظرالبعض ألا تحركنا نخوة الجاهلية كقول عنترة العبسي الذي جعلته الحرية سيد من كرّ بعد أن عاش ردحا من حياته لا يجيد إلا الصـّر في قوله:

 لا تسقني ماء الحياة بذلة ***** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلــّة كجهـنـّم ***** وجهـنّمٌ بالعـز أطيب مـنـزل

وفي كلمة أخيرة إذا لم يعد حبنا للبقاء أحياء وعلى الكفاف بالحد الأدنى من الكرامة والحرية حافزا للتغيير والإصلاح الذاتي وإصلاح ذات البين فلنحاول أن نبدي اكتراثا أكثر جديّة وأجدى في مستقبل أطفالنا فلعل وعسى أن يخرج من أصلابهم من يقيم هذه الأمة من غيبوبتها ويتدارك الخطر المحدق بوجودها.