ما رأيك بالحضارة الغربية يا مستر غاندي؟ “فكرة رائعة!” ردّ غاندي

إسرائيل –  لا تزيد عن كونها مستعمرة بريطانية بائسة

http://www.jkozy.com/

بقلم: جون كوزي – بروفيسور في الفلسفة والمنطق له عدة مؤلفات وخدم في الحرب الكوريّة

مركز أبحاث شؤون العولمة

نوفمبر 28/2013

“سيصحو العالم على بلد إمبريالي قاسي بوحشية ينهب من….المحتاجين والعراة” (محمد مصدّق)

مقدمة المترجم

 من السهل  طمس الحقيقة بحيلة  بسيطة ….إبدأ حكايتك من”ثانيا” ( الشاعرمريد البرغوثي)

يتوقف إتخاذ موقف ما من حدث ما على طريقة تعريفك للحدث وتعيين نقطة حدوثه في الزمان والمكان. هندسيا إذا عـُرفت المعطيات الأولية في وقت ما فإن محاكاة أية عملية ديناميكية واستشراف نتائجها تكاد تصبح تحصيل حاصل. ولكن إبدأ ب”ثانيا” عندها يفقد الواقع وأي تنبؤ بالمستقبل كل صلة بالمنطق.

فعلى سبيل المثال ، في احتفال التوقيع على معاهدة أوسلو قال رابين أمام عرفات وكلينتون:” نحن ضحايا الحرب والعنف ، لم نعرف عاما واحدا او شهرا واحدا لم تبك فيه امهاتنا ابناءهن!” فقد استطاع رابين في جملة واحدة أن يقلب العالم رأسا على عقب بمجرد إهماله “أولا” وكأننا توسلنا بهم أن يطردونا من بيوتنا ومزارعنا وقرانا فأصبحنا نحن مسؤولين عن نكبتنا!

يقول الكاتب جون كوزي:

إذا تم تطبيق نفس القاعدة – إبدأ ب “ثانيا”- لتفسير العلاقة العدائية بين الغرب (وبالأخص أمريكا وبريطانيا) وإيران فالغرب يبدأ من اللحظة التي احتلّ عندها الإيرانيون مبنى السفارة الأمريكية وعليه فإن إيران كانت هي التي بدأت عداوتها للغرب.  ولكن الإيرانيين يؤرخون لموقفهم منذ اللحظة التي تآمرت فيها المخابرات ألبريطانية مع المخابرات الأمريكية للإطاحة بقائد شعبي محبوب “محمد مصدق” في عام 1953، وتتويج الشاه دكتاتورا على إيران (والشاويش على منطقة الخليج العربي.)  إعادة تعريف العلاقة من “أولا” تضع الكرة في مرمى الغرب ألأمريكي/البريطاني كالبادئ في العداوة. والآن لنرى كيف بدأت “الحرب على الإرهاب” حسب هذا التحليل:

سيبدأ الغرب أطروحته عن الإرهاب  ب 9/11 وعليه فإن خاطفي الطائرات كانوا هم من بدأ  العدوان على أمريكا وعلى التراب الأمريكي.  لكن الطرف الآخر من المسلمين يعتقدون أن الإرهاب وصل “هنا” لأن الغرب لم يتوقف عن اعتداءاته على المسلمين وأوطانهم وعلى مدى قرون “هناك!”

في جامعاتنا ومدارسنا من النادر أن تُعرض “الحضارة الغربية” على أنها “ثقافة افتراسية و أصحابها مفترسون!”  فاليونانيون كانوا دائما في حرب إن لم تكن مع الفرس فمع بعضهم البعض ، فالإسكندر المقدوني كان من أوائل بناة الإمبراطوريات، وكذلك الرومان.  إسبانيا والبرتغال كانوا من المفترسين المبكرين لسكان أمريكا الأصليين…. وجاءت إنجلترا وهولندا وفرنسا بعدهم.  وليس “الفايكنجز” بغرباء عنا ، والطليان والألمان حاولوا السيطرة على إفريقيا، وعندما كانت هذه الدول “فاضية” من حروبها الخارجية كانوا غالبا في حروب مع بعضهم البعض. الحضارة الغربية مولعة بالعنف وبالقتل وتكاد تكون في حالة حرب مع المسلمين منذ بداية الحروب الصليبية سنة 1099 عندما أرسلت الإمبراطورية الرومانية المقدسة فرسانها ومشاتها “لتخليص الأماكن المقدسة من دنس الكفرة – المسلمين” ، وللسيطرة على طرق التجارة نحو الشرق الأقصى.  أقاموا ممالك “مسيحية” على أراضي إسلامية وعربية مما دعا المسلمين للبدء بالمقاومة والجهاد للتخلص من الإحتلال، فما الجديد؟

(محاكم التفتيش والحروب الصليبية والفاشية والنازية والشيوعية ووالإستعمار والإمبريالية والعولمة والتلوث البيئي وحروب عالمية مستمره – كلها من بركات الحضارة الغربية – المترجم)

في عام 1798 هاجم نابليون مصر وسوريا واحتلهما. ( المترجم: في سنة 1830 احتلت فرنسا الجزائر ولم تنسحب منها إلا في سنة 1962 بعد مقاومة شرسة  قضت على حياة أكثر من مليون جزائري.) في عام 1882 احتلت بريطانيا مصروسمتها (دلعا) “محمية” بدل  مستعمرة.  في 1919 عادت فرنسا واحتلت سوريا وفي 1920 قررتا – بريطانيا وفرنسا – جعل سوريا محمية فرنسية وفلسطين محمية بريطانية (محميات ممن لا أدري)…. والآن تم اكتساح واحتلال العراق وأفغانستان ويتم قصف باكستان أسبوعيا على الأقل ، والنيـّة مبيـّته لمهاجمة إيران.  وعليه فإن الغرب وعلى مدى عشرة قرون يقف متسلطا على الشرق الأوسط ومقدراته ، ولكنه لم يفلح حتى الآن على بسط هيمنته تماما وبالشكل الذي يحلم به.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية (غربية الصنعة والنكهة والتنفيذ) أدركت بريطانيا أنه لم يعد ممكنا ولا مسموحا به الحفاظ أو إقامة محميات أو مستعمرات ولا أن تدجن شعوب الشرق الأوسط بسوط الحضارة الغربية فكان عليها تسخير استراتيجية مغايرة وملائمة لعصرما بعد الحرب. فقامت بتسهيل وتصعيد وتيرة هجرة اليهود إلى فلسطين “محميتهم” حسب ما نص عليه وعد بلفور العنصري الصادر سنة 1917- فكل الوعود البريطانية للعرب (ولغير العرب) لم يكن الوفاء بها من بين بنودها- وباستخدام النفاق والخديعة خلقت كيان إسرائيل ليضمن للغرب مستعمرة بنكهة غربية.

“لا مش معقول!” ستقول لي. ولكن أنظر ألا تعامل إسرائيل وجيشها الفلسطينيين مثل معاملة البريطانيين وجنودهم لسكان مستعمراتهم الأصليين في كل مكان وصلوه؟  ألبريطانييون أساؤوا معاملة غيرهم أينما حلــّوا. إن كنت لا تصدق ما أقوله فاسأل أي إيرلندي يقابلك عن الإنجليز. إن سوء معاملة الإنجليز للشعوب الأخرى تبدو وكأنها في جيناتهم الوراثية،  فقد استعبدوا الأمريكان وقضوا على آلاف الصينيين بالأفيون (وأول من استعمل الغاز السام في قتل الثائرين ضد قسوتهم مثل الأكراد)

ولكن خلق دولة إسرائيل لم يعمل حسب “الكاتالوج” لأنها تمثل فقط امتدادا لقرون طويلة من الحروب ضد الإسلام ولا يمكن لإسرائيل من البقاء على قيد الحياة لأسبوع لولا الدعم الغربي (الأمريكي خاصة) عسكريا وماديا. ولوكان الإسرائيليون أكثروعيا بالتاريخ لكانوا أكثرقلقا على حياتهم كدولة، فقد تأصلت عند الأمريكان والبريطانيين عادة الهجروالخذلان والتخلي عن حلفائهم عندما يصبح ذلك في خدمة مصالحهم ومخططاتهم…وليتذكروا مصير “أصدقاءهم” في جنوب فيتنام أو حسني مبارك أو الشاهنشاه وهم الذين نصـّبوه دكتاتورا على الشعب الإيراني.  فعندما ينتهي دور إسرائيل في القيام بخدمة “أولياء نعمتهم” سيلفظونهم (في أقرب بالوعة). تقول (روزماري هوليس) من جامعة-سيتي في لندن: ” هناك اعتقاد راسخ…على أن بريطانيا تمكر وتخطط في الخفاء لشيئ ما ولا يمكن أن تكون حيادية مطلقا بل تمارس دائما المراوغة والنفاق.”

ربما يعتقد الإسرائيليون أن يهود أمريكا سيحولون دائما ضد الغدر بهم من قبل الحكومة الأمريكية ولكن ليتهم يتذكرون ما جرى لشركات التبغ العملاقة التي كانت تغدق ألأموال الطائلة على مجلس شيوخ فاسد ولكن المزاج الشعبي تغيــّر وانفضّ السامر وتخلى الشيوخ عن هذه الشركات ليضمنوا انتخابهم مرة أخرى.

حذار ، حذار يا إسرائيل! عندما قام الإنجليز بإقناع أعضاء مجلس الأمن بتقسيم فلسطين فإن ذلك كان لخدمة مصالحهم القومية وليس حبا من أحد لليهود، ومنذ متى أصلا كان الأوروبيون متدينين؟ الحضارة الغربية لم تعرف في تاريخها الألوهية أو القدسية. فالإعتماد على الكتاب المقدس لتبرير خلق الكيان الإسرائيلي ليس مقنعا، بالإضافة الى أنه لا يوجد أحد من أتباع الهندوسية أو طائفة السيخ الهندية أو الشينتو ليكترث لحظة واحدة بما تقوله الكتب اليهودية،  ومعظم أتباع المسيحية همّّهم الأساسي هو “عودة المسيح” والسعادة الأبدية ، ومعركة أرماجدون وليس أي من هذه ما يضمر الخير أو يبشر بالطمأنينة لليهود. كل هؤلاء يتنبؤون القضاء على إسرائيل وسكانها من اليهود. وبناء عليه فإن جورج بوش في خطاب له في جمعية لتنصير اليهود (الغارديان في 14 نوفمبر،  قال أن الخيار الوحيد أمام اليهود هو أن يتحوّلواللمسيحية لينجوا  ليس فقط بأرواحهم ولكن حتى بأجسادهم.)

يتوقع الإنسان العاقل أن تعترض الصهيونية على محاولة تنصيراليهود من قبل المسيحيين وتحويلهم عن دين آباءهم ولكن أحدا منهم لم يعترض ولم يثر الموضوع ،لأنهم أجبن من أن يغامروا بفقد دعم المتعصبين المسيحيين “أصدقاءهم” من ذوي النفوذ بينهم. (اليهود الحقيقيون يدركون هذا كله ويرفضون الصهيونية، ولكن الذين يحكمون في إسرائيل ليسوا يهودا ولا ساميين ولا يؤمنون بالديانة اليهودية – أنظر كتاب جلعاد أتزمون : التائه من هو؟ المترجم)

إن المسيحيين في هذا العالم لا يهمهم أمر اليهود بأكثرمما يهمهم أمر المسلمين. إذ ليس لدى هؤلاء في غالب الأحيان أي اكتراث حتى بأوضاع إخوانهم في الدين من مسيحيين. عندنا في قريتي ثلاث كنائس لنفس الطائفة من المسيحية ولا يحبون بعضهم ولا للحد الأدنى الذي يمكنهم من عبادة الرب مع بعضهم البعض.  فهل يعتقد الإسرائيليون حقا أن العالم يحبهم؟ فليسوا سوى أحجار على رقعة شطرنج.  بالنسبة للمسيحيين لا يهمهم أن يكون اليهود سعداء أو حتى أحياء، إنما يركزون اهتمامهم على عودة المسيح والسعادة الأبدية.

بعد أكثر من 70سنة من الوعود الكاذبة (تقريبا 100 سنة منذ صدور وعد بلفور) لم يعد من المفاجئ أن ينظر الناس في الشرق الأوسط – وليس الحكام- بعين السخط والريبة للغرب. ومنذ أن ورثت الولايات المتحدة دور بريطانيا في الشرق الأوسط وهي عاجزة تماما أن تنأى بنفسها عن الصراعات السياسية في المنطقة حتى تظل الموارد النفطية في أيدي أمينة على المصالح الأمريكية.

المصالح القومية الوحيدة في الشرق الأوسط بالنسبة للغرب هي مصالح إمبريالية أستعمارية. ولذلك بستحيل لدبلوماسي غربي من المغرمين بهذا التعبير “المصالح الوطنية” أن يحدد هذه المصالح بالدقة. ولنفس السبب لن تجد هذا الدبلوماسي الغربي يعير “المصالح الوطنية” للآخرين عند أمريكا مثلا أي اهتمام، أو حتى مجرد ذكرها ناهيك عن أخذها بعين الإعتبار. وعليه فإن أي دبلوماسي يدّعى الحفاظ على أو حماية “المصالح الوطنية” ما هو إلا غطاء للنهب والسرقة